الإيمان بالقدر
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
ومن قول أهل السنة: أن المقادير كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها، من الله -عز وجل-، فإنه خلق الخلق، وقد علم ما يعملون، وما إليه يصيرون، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وقال -تبارك وتعالى- وهو أصدق القائلين: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وقال: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا وقال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وقال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وقال: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ مثل هذا في القرآن كثير.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا الباب الخامس والعشرون من أبواب الكتاب، في الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، وأصل من أصول الإيمان الستة، لا يصح الإيمان إلا به، من لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقال سبحانه: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وثبت في صحيح مسلم، من حديث عمر بن الخطاب أن جبرائيل جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام، فأخبره بأركانه الخمسة، ثم سأله عن الإيمان فقال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره هذه أصول الإيمان الستة، جاءت في القرآن الكريم، دلت عليها الآيات الكريمة، والأحاديث الصحيحة، وأجمع عليها المسلمون، ولم يجحد شيئا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام، وصار من الكافرين، من لم يؤمن بالقدر فهو كافر، والإيمان بالقدر لا بد فيه من الإيمان بمراتبه الأربعة كلها، الإيمان بالقدر هو الإيمان بالمراتب الأربعة، من لم يؤمن بهذه المراتب الأربعة، فليس بمؤمن.
المرتبة الأولى: العلم، علم الله الشامل، يؤمن بأن الله موصوف بالعلم، بأن الله علم كل شيء، علم الأشياء في الأزل، ما كان في الماضي في الأزل، ويعلم ما يكون في الحاضر، ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، الشيء الذي لا يكون يعلمه لو كان، قال الله تعالى للكفار لما طلبوا العودة على الدنيا: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ الله عالم حالهم، لو ردوا ولكنه لا يردون.
وقال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا إذن علم حالهم ماذا يعملون.
والمرتبة الثانية: الإيمان بالكتاب بكتابة الله للمقادير في اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة العامة لكل موجود، لكل ما يقع في هذا الوجود، سبقت به إرادة الله ومشيئته.
المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، الإيمان بأن كل شيء في هذا الوجود خلقه الله وأوجده.
هذي مراتب الإيمان بالقدر، من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر، العلم والكتابة والإرادة والمشيئة والخلق والإيجاد.
علم الكتابة مولانا مشيئته خلقه وهو إيجاد وتقدير. هذه مراتب الإيمان الأربعة.
قال: محمد بن عبد الله -هو المؤلف محمد بن عبد الله بن أبي زمنين-، ومن قول أهل السنة: أن المقادير كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها من الله -عز وجل- نعم، هذا من الله -عز وجل- خلقا وإيجادا وتقديرا، فإنه خلق الخلق دق علم ما يعملون، وما إليه يصيرون، لا بد من الإيمان، هذا أن خلق قد علم ما يعملون علم في الأزل، وعلم ما إليه يصيرون، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، إذا منع الله شيئا لا يمكن لأحد أن يعطيه، وإذا أعطى الله أحد لا يمكن لأحد أن يمنعه، قال -تبارك وتعالى- وهو أصدق القائلين: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ الخلق هذا القدر، والأمر الشرط، ألا له الأمر -سبحانه وتعالى- له الخلق والأمر هذا لا بد من الإيمان بالقدر، والشرط الخلق هذا القدر، والأمر الشرط وقال: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا في إثبات القدر، وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وقال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا في إثبات أن الله كتب المقادير وقال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً يعني ابتلاء وامتحان، يعني قدر ذلك وقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ابتلاء وامتحان، له الحكمة البالغة وقال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حقت كلمة الله لأنه قدرها، قدره عليهم ابتلاء وامتحانا لما له من الحكمة، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا هذه إثبات المشيئة لله وقال: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ فيه إثبات أن الله يضل، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فهو يهدي من يشاء برحمته وفضله وإحسانه، ويضل من يشاء بعلمه بعدله وحكمته، لا يسأل عما يفعل، لأنه أفعاله مبنية على الحكمة فهو -سبحانه وتعالى- لا يخلق إلا لحكمة، ولا يقدر إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة، ولا يسمع إلا لحكمة، أفعاله وأوامره ونواهيه مبنية على الحكمة، وإرادته ومشيئته مبنية على الحكمة، نعم.